حفظ القرآن فى 1000 يوم (3)


الشروط اللازمة للحفظ :


الشروط اللازمة لكي تكون هذه الطريقة صحيحة سواء اخترت الطريقة الأولى أو الثانية لابد من هذه الشروط.


الشرط الأول: القراءة الصحيحة

من الأخطاء الكثيرة أن كثيرا ممن يعتزمون الحفظ أو يشرعون فيه يحفظون حفظا خاطئا. لابد قبل أن تحفظ أن يكون ما تحفظه صحيحا، و هناك أمورا كثيرة في هذا الباب منها على سبيل المثال لا الحصر؛


أولا تصحيح المخارج:

إن كنت تنطق ثم "سم" أو الذين "الزين" فقوم لسانك قبل أن تحفظ. لأنك إذا حفظت و أدمنت الحفظ بهذه الطريقة و واضبت ستكون جيدا في الحفظ لكنك مخطئا فيه. فلا بد أولا من تصحيح المخارج وتصحيح الحروف لا بد منه.


ثانيا ضبط الحركات:

بعض الأخوة إما لضعف قراءته، أو لعجلته يخلط في الحركات، و هذا الخلط لا شك أنه خطأ و أنه قد يترتب عليه خلل في المعنى. و ذلك ليس من موضع حديثنا و لكن لا بد أن يتنبه المرء له و أن يحذر منه، و من ذلك أن اللغة العربية فيها تقديم و تأخير، وفيها إضمار و حذف وتقدير، وفيها إعرابات مختلفة، فأحيانا بعض الناس لا يتنبه، أحيانا مثلا تقديم المفعول على الفاعل ? وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات? البقرة 124- بعضهم يحفظها ? إبراهيمُ ? و ربُهُ أو ربَهُ بالنسبة له أحيانا قد لا تفرق، و ما حفظته خطئا فثق تماما أنه يثبت هذا الخطأ وبعد ذلك تصعب إزالته، يحتاج إلى عملية استئصال، مثل الذي يبني بناء ثم يتبين له أن هذا البناء خطأ لابد له أن يكسر و أن يصحح البناء، لابد أن يزيل الخطأ ثم بعد ذلك يصحح من جديد. لماذا تكرر الجهد مرتين و تعيد العمل مرتين، ابدأ بداية صحيحة.

هناك أمثلة كثيرة في مسألة ضبط الحركات، فإن هناك كثيرا من الأمثلة التي تقع في هذا الجانب كما في الضمائر أيضا. الضمائر عندما يقع الخلط فيها أيضاً يقع خلط في الحفظ غير مقبول مطلقا، كما يكون الضمير بالضم فيكون للمتكلم، أو يكون بالفتح للمخاطب كما في قوله تعالى ?وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ? المائدة 116- التاء في الضميرين الأولين مضمومة و في الضميرين الثانيين مفتوحة فأي تغيير بالحركة يغير المعنى.

كما يقرأ البعض (و كنتُ أنت الرقيب عليهم ) ما يمكن أن تستقيم أبدا وهكذا الكثير من الكلمات و الحركات تحتاج إلى الضبط ابتداء قبل أن يخطىء فيها.


أيضا هناك ضبط الكلمات

و هو أشد و أخطر، الحركات منظوره يمكن أن يراها الإنسان و لكن بعض الكلمات إما لصعوبتها أو لأن هذا الحافظ لم يأخذ الأسلوب الذي سأذكره لاحقا، أو ليس متمرسا في تلاوة القرآن فإنه يحفظ الكلمة خطأ و من هذا قول الله عز وجل ? وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ? -القلم 51 - سمعت مرة من يقرؤها " ليزقلونك "، السبق بين الحروف يحصل وعندما يراها رؤية سريعة وهو لا يعرفها تثبت على هذه الطريقة، أحيانا بعض الكلمات ? أَنُلْزِمُكُمُوهَا ? هود 28- قد يستثقلها و يقرأها قراءة خاطئة و تختلف الحروف بهذه الطريقة. كذلك بعض الكلمات التي ربما ليس في القرآن إلا مثال واحد منها ? أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ ? يونس 35 - يقرأها "أم من لا يَهْدِي" لأنها كلها في القرآن يَهْدِى وما فيها يَهِدي فينتبه إلى مثل هذه الكلمات.

كذلك ما يتعلق في الرسم كما في البقرة (52) ? فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ? و في المائدة (3) ? فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ? ليس فيها ياء وإنما كسرة، هذه أيضا مواطن مما قد يحفظه ابتداء حفظا خاطئا و يقع في هذا في أخطاء. و كذلك بعض الكلمات التي هي في مواضع بضبط معين و في مواضع أخرى بضبط آخر مثل ? سِخريا ? و ? سُخريا ? قد يحفظها تمر عليه الآية الأولى فتقرأ سُخريا فكلما مرت قال سُخرياً و لم يفرق بين سُخريا و سِخريا و غيرها من المواضع التي فيها مثل هذه الأمثلة، كما أيضا في الجمع و التثنية مثل قول الله سبحانه و تعالى ? رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ? فصلت 29 - و ليس الَّذِين، بعض الناس يقول الذين متعود، نادرا أو قليل ضمير التثنية فيقول ? الَّذِينَ ? و لا ينتبه لمثل هذا إذا كان غير متمرس أو كان متعجلا، و غير ذلك كثير أيضا كما أشرت في الأمثلة إنما هي للتقرير كما في قوله عز وجل ? فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ? الحشر 17- و ليس خالدِين فيها، خالدَيْن بالتثنية و ليس بالجمع فإذا لا بد أيضا من ضبط الكلمات حتى لا يحفظها حفظا خاطئا. و الأمثلة في ذلك كما قلت كثيرة جدا.


أيضا هنالك ضبط خواتيم الآيات:

مع السرعة و العجلة قد لا ينتبه فيحفظ حفظا خاطئا ? وهو العزيز الرحيم ? ما قرأها بنظره قرأها ? و هو العزيز الحكيم ? وهكذا مضى عليها فحفظها، هذه واضحة لكن أحيانا كما هو في التجارب أن الذي يحفظ يستشهد و يظن أحيانا أن هذه الآية في ذهنه قد سمعها أو قد أدمن قراءتها وهي في ذهنه أنها ? و هو العزيز الحكيم ? فيقولها هكذا و يظن أنه قرأها و هو ما قرأها و ما مر ببصره عليها بل ربما يمر ببصره عليها وقد سبق في ذهنه أنها كذا و لا يقرأ المكتوب بل يُثبت ما في الذاكرة عنده أو ما يسمعه أو ما يظنه أو يتوهمه، فينبغي أن يضبط ذلك حتى تكون القراءة صحيحة قبل أن يحفظ شيئا خاطئا، و كما قلت هنا التنبيه أن الحفظ الذي فيه خطأٌ، خطأ. يعنى هذا الحفظ الذي فيه أخطاء هو حفظ فيه خطأ لأن طريقته خطأ لأنه يبقى و يستمر ويصعب تغييره في كثير من الأحوال.

كيف نحقق هذه القراءة الصحيحة، الأصل أيه الأخوة الأحبة أن القارىء و الحافظ لابد أن يقرأ على شيخ متقن، تلقى القرآن تلقيا بالمشافهة، وهذا هو الأصل في تلقي القرآن لقنه النبي عليه الصلاة و السلام صحابته و الصحابة من بعدهم، فليس القرآن كتاب يقرأ مثل غيره من الكتب، ففيه رسم و فيه بعض الأمور التي ذكرتها الآن من تقديم و تأخير و كذا وفيه قراءات و فيه بعض الكلمات التي ترسم بطريقة و تكتب بطريقة، وفيه أحيانا آيات أو كلمات تقرأ بوجهين، هذا كله لا يتيسر لك بمجرد القراءة، الأصل أن تكون متلقيا عن شيخ قد أتقن وتعلم فتكون قراءتك صحيحة فهو الذي يقرأ لك الصفحة أولا ويصححها لك ثم تمضي بعد ذلك و تطبق الطريقة التي قلناها، ممكن هذى خطوة ثانيه إذا كنت تلقيت التجويد و تلقيت القراءة و أحسنتها بمعنى أنك من ناحية القراءة النظرية جيد، و تحسن القراءة و لا تسقط فلا بأس بأن تبدأ بتطبيق هذه الطرق الأولى أو الثانيه لكن لابد أن تكون قد أتقنت القراءة وعرفتها و قرأت إما ختمه كاملة أو قرأت معظم القرآن و ذلك مما يضبط لك هذا الجانب، هذا أول الشروط التي لا بد منها لتَكمُل لك طريقة الحفظ الصحيح.


الشرط الثاني: الحفظ المتين

الحفظ الجديد لا بد أن يكون حفظا متينا، لا يقبل فيه خطأ ولا أقل من الخطأ و لا وقفه و لا تعتعه، الحفظ الجديد أعني، إذا أردت أن تحفظ صفحة جديده إن لم يكن حفظك لها أقوى – مبالغة – من حفظك للفاتحة فلا تعد نفسك قد حفظتها، لماذا ؟ لأن الحفظ الجديد هو مثل الأساس، الآن إذا جئت بأساس البناء و تعجلت حيثما اتفق سوف ينهد البناء فوق رأسك يوما ما. و الحفظ الجديد إذا قبلت فيه بالخطأ و الخطأين، أو التعتعة أو الوقفة فإنك ثق تماما أنك كالذي يبني الرجاء على شفير الهاوية، يعنى كأنك متأرجح، فإذا كنت في البداية متأرجح كيف ستبني على ما بعده، كيف تريد أن تكون هذه الصفحة بعدها صفحات و صفحات، لا يمكن. لا ينبغي الترخص مطلقا في ضبط الحفظ الجديد ولو أخذت بدل الدقائق العشر التي ذكرناها عشرين أو ثلاثين أو أربعين، المهم لا تنتقل من حفظك الأول حتى تتقنه اتقانا كما قلت مبالغةً أكثر من إتقانك للفاتحة، لو قلت لأحدكم الآن سمع الفاتحة فسَمَّعها بكل سهولة و يسر، بل لو كان نائما و حلم و قرأ الفاتحة لن يخطِأ فيها، لماذا ! لأن الفاتحة قد أدمن قراءتها و حفظها أكثر من حفظه أسمه، لابد أن يكون الحفظ الأول مثل ذلك كما قلت دون أخطاء و دون عجلة.


الشرط الثالث: التسميع للغير

وهذا الذي سيكتشف لك الأخطاء التي ذكرتها، بعض الناس الصفحة الأولى للمرة الثالثة يسمع الصفحة خرج مطمئنا منشرح الصدر مسرورا وهو قد حفظ و هناك بعض الأخطاء مما أشرت إليه، كيف يكتشفها، لا يكتشفها، يعيد مرة ثانيه في اليوم التالي صفحته ويسمعها في خطئها و المصحف أمامه، لماذا ؟

لأنه تصور أنه حفظ حفظا صحيحا. الذي يكتشف لك ذلك أن تسمع الصفحة لغيرك مهما أنت بالغا الحد بالذكاء، و حدة الذهن و سرعة الحفظ فلابد أن تسمع لغيرك، أن تعطي المصحف غيرك ليستمع لك، وهذا أمر لا بد منه. لا بأس قد لا تجد من يسمع لك الصفحة إذا حفظتها أو الصفحتين أو الثلاث لا بأس، لكن لو جمعت خمسا من الصفحات أو عشرا من الصفحات سمعها لغيرك، هنا لازال هناك مجال للاستدراك، أما بعد أن تحفظ عشرة أجزاء تأتي و تسمع و عندك من الأخطاء ما الله به عليم هذا لا يمكن أن يكون مقبولا.


الشرط الرابع التكرار القريب

الحفظ بالحفظ، لو أنك صوبته وصححته، و لو أنك متنته و قويته و لو أنك سمعته و قرأته، لا يكفي فيه ذلك حتى تكرره في وقت قريب، ما معنى الوقت قريب، في يومك الذي حفظت به الصفحة لو حفظتها بعد الفجر، إذا تركتها إلى فجر اليوم التالي ستأتي إليها وقد أصابتها هينات واعتراها بعض الوقفات و دخلت فيها بعض المتشابهات مما قد حفظته قبلها من الآيات، لابد أن تكرره في الوقت نفسه.

في ذلك اليوم الصفحة الجديدة، بعد التسميع الذي ذكرته ثلاث مرات، على أقل تقدير أن تسمع الصفحة خمس مرات في ذلك اليوم، و سأذكر كيف يمكن تطبيق ذلك دون عناء و لا مشقه، لان بعض الأخوة يقول هذا يريد أن نجلس في المسجد من بعد الفجر إلى المغرب حتى نطبق هذه الطرق التي يقولها. أذكر مثال أن الحفظ الذي تتركه و لا تكرره يسرع في التفلت في ترجمة ابن أبي حاتم، الإمام ابن أبي حاتم رحمة الله عليه كان يقرأ كتابا يريد أن يحفظه فكان يقرأه بصوت عالي ويكرره و عنده عجوز بالبيت وهو يكرر الكتاب الأولى والثانية و الثالثة والعاشرة، فملت منه قالت: ما تصنع يا هذا، قال: إني أريد أن أحفظه، قالت: ويحك لو كنت تريد لقد فعلت فإني قد حفظته، فقال: هاتيه، فسمعت له الكتاب من حفظها سماعا فحفظته، قال و لكني لا أحفظه حتى أكرره سبعين مره. يقول فجئتها بعد عام فقلت لها هاتي ما عندك من الكتاب فما أتت منه بشيء، أما أنا فما نسيت منه شيئا.

لا تنظر للوقت القريب انظر للمدى البعيد، أنت تريد أن تحفظ شيئا لا تنساه بإذن الله عز وجل.


الشرط الخامس: الربط بما سبق

فالصفحة مثل الغرفة بالشقة ومثل الشقة في العمارة، يعنى لا يمكن أن تكون هناك صفحة وحده، لا بد أن تربطها بما قبلها و أن تربطها بما بعدها و سيأتي لنا حديث عن الربط لاحقا.

إذا هذه هي الطريقة ثم هذه الشروط اللازمة .

0 التعليقات: